ما هو لون ديمقراطيتك المفضل؟

Publié par BLADCOM

         






                   ليس من السهولة أن نجد تعريفا للديمقراطية يمكن وصفه بأنه جامع مانع، بحيث يمكننا حصر مبادئها ومفرداتها لتكون نسقا، يمثل مرجعية فكرية وعملية للباحث أو السياسي، الذي يريد التحقق من مدى ديمقراطية نظامه السياسي. هذا الكلام ينطبق على المفهوم الذي كرسه خطاب الرئيس الأميركي أبراهام لينكولن (عام 1863) الذي عرف فيه الديمقراطية على أنها: (حكومة من الشعب يختارها الشعب من اجل الشعب) على اعتبار ان هذا التعريف يعبر عن المفهوم الكلاسيكي، الذي يرى ان الديمقراطية مجرد صيغة للحكم.  لكن التطور الفكري، وبروز الحاجة الى أنظمة سياسية تلبي أو تواكب التقدم في المجال الصناعي والاجتماعي،  استدعى وجود تنظيرات جديدة للديمقراطية، يمكنها ان تستوعب المرحلة، فكان للمنظر الأميركي ألكسي دو توكفيل دور كبير في تغيير النمط السائد في فهم الديمقراطية، حيث انه اعتبر ان الديمقراطية تبدأ من القاعدة الى القمة، بعكس النظريات القديمة، فكان تعريفه الديمقراطية بأنها: (وجوب بقاء الفرد مستقلا عن الدولة، بداية جديدة لفهم الديمقراطية على حقيقتها، فهي لم تعد مجرد أداة للحكم، وإنما هي ثقافة. فقولنا: ان الديمقراطية تعني سيادة الفرد من حيث هو ذات فاعلة وحرة، يعني أننا نأخذ الديمقراطية من بدايتها، أي: الفرد) وهذا التعريف، يعتبر جامعا لأساسيات الديمقراطية، فحيثما يكون هناك فرد حر تكون هناك ديمقراطية حقيقية متجذرة في المجتمع، بدأت بالشكل الذي رسمه المنظرون لها، لا بما يريده السياسي.
من المعلوم ان الديمقراطية السائدة حاليا هي التمثيلية، والتي تعتمد على مبدأ الوكالة التي بموجبها يفوض الشعب أشخاصا يمارسون الحكم نيابة عنه، والأعمال التي تصدر عنهم كأنها صادرة عن الشعب، وقد تشبه هذه النظرية الى حد ما نظرية الوكالة في القانون المدني، إلا أنها تختلف عنها بأمر مهم هو ان الموكل بإمكانه عزل وكيله متى شاء، أو  متى تجاوز حدود وكالته، لكن في النظام التمثيلي، لا يحق للناخب عزل النائب حين يتجاوز حدود ما وكل به، مع العلم ان بعض الدساتير تعطي للناخب الحق في عزل النائب بعد جمع عدد معين من التواقيع، فلا يستطيع الناخب معاقبة النائب بسوى عدم انتخابه مرة ثانية.
لكن مسألة اختيار النائب أو الوكيل كذلك لا تختلف عن اختيار الوكيل في القانون المدني والذي يفترض في الموكل الأهلية التامة، فالديمقراطية وحسب التعريف أعلاه تفترض وجود الذات الحرة أساسا في عملية اختيار النائب بحرية تامة وإدراك كامل حتى نضمن قدرا كبيرا من عدم تجاوزه حدود وكالته، وهذا يعتمد على مدى أهلية الناخب وقدرته على الاختيار الصحيح، فينبغي إذن ان نعتبر ان عدم توفر شرط الأهلية في الناخب قرينة على بطلان العملية برمتها، وشروط الأهلية تتمثل بتمتع الناخب أولا: بالحرية التامة في الاختيار، فلا يتعرض لضغوط رجل الدين ولا شيخ العشيرة، ولا المجتمع، وإنما يخضع للمعيار العملي في الاختيار والمتمثل بقناعته الذاتية بالمرشح اعتمادا على برنامجه الانتخابي الذي يراه محققا لطموحاته، لا ان يتم الاختيار بناءً على رغبة هذا وذاك، ولا وفق دوافع طائفية أو قومية، ثانيا: ألا يكون الانتخاب بدافع شخصي أو مادي.وعلى هذا الأساس فان النائب لا يكون مسؤولا سوى أمام ناخبيه وجمهوره، وان يعبر موقفه عن موقفهم ويدافع عن مصالحهم ومشاكلهم، وهذا يعني انه حين يكون النائب تابعا لرئيس كتلته، ومعبرا عن آرائه الشخصية، ولا رأي له فهذه تعتبر الخيانة بعينها، كما ان إرادة النائب حين تكون مرهونة بإرادة رئيس الكتلة، فهذا تجاوز على حقوق الناخبين، وانتقاصا من النائب الذي له إرادة كاملة. ولنا في زعيم كتلة نيابية مثالا حين صرّح بأن نوّابه مستعدون للتوقيع على فكرة يدعمها بدون اخذ رأيهم أو وضع أدنى اعتبار لشخصياتهم وناخبيهم، هذا يدل على ان هؤلاء النوّاب لا يمثلون بالحقيقة سوى أنفسهم وفكرهم لا ناخبيهم، والعملية التي جرى فيها انتخابهم باطلة لأن الناخبين عديمو الأهلية التي تمكنهم من الاختيار الصحيح لمن يمثلهم. وعلى هذا الأساس قامت الديمقراطية الليبرالية على افتراض أساسي وهو حرية الاختيار، فمن دون الحرية في اختيار النائب لا وجود للديمقراطية.
ولعل أخطر عملية انتخابية هي تلك التي تكون الأولى بعد مدة حكم استبدادي، لأنها سوف تحدد الى حد كبير هوية النظام السياسي للدولة، ومدى التزامه بالديمقراطية أو انه يتخذ منها ستارا لنظام دكتاتوري جديد. والخطورة تبدو من خلال المهام الملقاة على عاتق السلطة التشريعية المنتخبة والتي تتمثل بسن قوانين جديدة تتناسب مع الديمقراطية، فلو لم تكن هذه السلطة ذات شرعية كاملة من خلال عدم انتخابها بحرية تامة فإنها ستعمد الى سن قوانين لا تتقاطع مع مصالحها، فتضع قوانين تساعدها بشكل أو بآخر على البقاء في السلطة
الشعب يجب أن يكتب قوانينه أو يشارك في صياغتها كونه الميدان الذي تطبق عليه، حتى ان روسو عبّر عن هذه الفكرة بقوله: (الحياة السياسية المشتركة يجب أن تنظّم بطريقة يكون فيها باستطاعة متلقي القانون السائد أن يشارك في سنّه)، أما المادة 6 من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر سنة 1789 فقد كانت أكثر وضوحا حين نصّت: يعبر  القانون عن المشيئة العامة، يحق لجميع المواطنين المساهمة شخصيا أو عبر ممثليهم بصياغته. فالممثلون الحقيقيون للشعب هم الذين سيسنّون القوانين التي تعبر عن المشيئة العامة، أما الذين جاؤوا عبر انتخابات صورية فلا يمكنهم سوى سن قوانين تعبر عن مصالحهم الخاصة لا أكثر. والأدهى من ذلك مصادرة أصوات الناخبين تحت مظلة قانون يبعثر العملية الانتخابية أكثر مما ينظمها، حتى انه يتعرض مع أحكام الدستور العراقي والذي جاء في المادة 20 منه: للمواطنين رجالا ونساءً، حق المشاركة في الشؤون العامة، والتمتع بالحقوق السياسية، بما فيها حق الانتخاب والترشح والتصويت