صراع أبدي حول القوة... بلغة اليوم، حول النفط...

Publié par BLADCOM


 انها قصة قديمة جديدة، قصة البحث عن المجد، القوة السيطرة من طرف الانسان، قصة تلونت بشتى الأشكال بكل اللغات، و على مر التاريخ، و بلغة اليوم البحث عن السلطة و النفوذ عن طريق المال أو بمرادف اليوم البحث عن النفط، عماد الصناعة وركن من أركان الازدهار، قراءة ممتعة:

خريف العام 1896, مر رجل شاب لطفته الحياة الناعمة في الشرق الاقصى و يتمتع بسمعة بسيطة في دوائر النفط, مرورا عبر سنغافورة في طريقه نحو بريطانيا, مر على بقعة احراش معزولة عمليا و غيرة معروفة تسمى "كوتي" حيث تقع على الساحل الشرقي لبورنيو, تلك الجزيرة التي تتبع اندونيسا و تعد ثالث اكبر جزيرة في اسيا. 
في هذه الاثناء, عمد احد عملاء شركة ستاندارد اويل النفطية الاميركية في سنغافورة, عمد الى رصد تفاصيل تحركات ذلك الرجل الشاب و نقلها فورا الى نيويورك حيث قال "وصل السيد ابراهامز الذي يقال انه ابن شقيق السيد صامويل من مؤسسة صامويل, وصل من لندن و غادر فورا الى كوتي حيث تقول الاشاعات ان هنالك امتيازات نفطية كبيرة في تلك المنطقة حسب صلات مؤسسة صامويل هناك. لكون السيد ابراهامز ذلك الرجل الانكليزي الذي انشأ عمل ناقلات النفط البحرية الروسية في سنغافورة و بينانغ, حيث عمد الى انشاء و نصب الابنية و المعدات في كلتا المنطقتين, اذن فأن زيارته لمنطقة كوتي انما قد تعني شيئا ما." و لقد ثبت انها تعني ذلك فعلا. و بالنسبة للسيد مارك ابراهامز الذي ارسله عمه لتطوير الامتيازات النفطية التي تمس حاجة مجموعة صامويل للحصول عليها بهدف الحفاظ على موقعها, فأن الامر كان يتعدى ذلك لحاجة المجموعة الى اي شيء يؤمن بقاءها على قيد الحياة.
عبر شروعه بهذا العمل, كان ماركوس صامويل مدفوعا بالحاجة لتأكيد مقدرته و عمله النفطي. ان هؤلاء الذين يعملون في المجال النفطي انما يسعون في العادة لتحقيق التوازن. و هذا الكلام يعني ان الاستثمار في جزء من العمل انما يدفعهم لايجاد استثمارات جديدة في جزء آخر, حيث يتم ذلك من اجل الحفاظ على ديمومة وجود الاستثمارات. في ضوء هذا الكلام, فأن المنتجين بحاجة الى اسواق تصريف اذا ما ارادوا ان يكون لنفطهم قيمة حقيقية. و كما قال السيد ماركوس صامويل ذات مرة معلقا "ان الانتاج النفطي بوضعه المجرد انما يمثل الجزء الاقل قيمة و اهتماما في العمل النفطي. لذلك, فلابد من ايجاد اسواق للتصريف تستوعب الانتاج." في هذه الاثناء, فان من يعملون في انشطة التكرير انما تمس حاجتهم للتجهيز من جهة و للاسواق من جهة ثانية, فيما المصفى الذي لا يعمل انما لا يعدو كونه مجرد مجموعة من حديد الخردة و الانابيب المستعملة و حسب. كما ان هؤلاء الذين يديرون نظام التسويق انما هم بحاجة للنفط كي يعملوا هم كذلك, و الا فان انشطتهم لن تعدو سوى خسارات مالية و حسب. 
في سياق متصل, فأن درجة شدة هذه الاحتياجات انما تختلف حسب اختلاف الاوقات, الا ان الزامية هذا النشاط تعد ثابتة في هذه الصناعة مهما تغيرت الظروف و الاوقات.
بحلول نهاية العقد الاخير من القرن التاسع عشر, كان ماركوس صامويل باستثماراته الضخمة في مجالات نقل النفط البحري و منشآت الخزن, كان بحاجة مؤكدة لمصدر آمن و مستقر للنفط. فلكونه تاجرا, كان ماركوس صامويل مكشوفا جدا, حيث كان عقده للاستثمار في نفط عائلة روتشيلد الروسي على وشك الانتهاء بحلول شهر تشرين الاول من العام 1900. فهل كان بمقدوره الاعتماد على تجديد ذلك العقد يا ترى؟ ففي افضل الاحوال, كانت علاقته بعائلة روتشيلد المصرفية قلقة, فيما الاخيرة تستطيع التحول الى ستاندارد اويل و تعقد صفقتها معها متى تشاء. و فوق ذلك, كان من الخطورة بمكان الاعتماد على النفط الروسي لوحده. لقد اشتكى صامويل من ان التغييرات العشوائية في وتيرة النقل ضمن روسيا انما تسببت بأبقاء الاقتصاديات المعتمدة عليها بحالة فوضى و اضطراب, الامر الذي جعل من تجارة النفط الروسي عملا يتراوح بين الفم و اليد كما يقولون, فضلا عن وضع الذين يعملون في هذه التجارة الروسية في موقع غير موات مقابل منافسيهم الاميركيين. كما ان هنالك مخاطر اخرى كذلك, مخاطر تتمثل في تنامي مقادير النفط القادمة من مستعمرات الهند التابعة لهولندا, بما تتمتع به تلك المستعمرات من طرق نقل قصيرة و اجور شحن منخفضة, الامر الذي يشكل تهديدا لقدرة صامويل على المنافسة, فضلا عن قدرة ستاندارد اويل على الدخول و ضخ مواردها في حرب مفتوحة تهدف الى تدمير شركة شل الملكية الهولندية في اي لحظة. لقد كان صامويل يعلم, بكل بساطة, انه بحاجة لضمان انتاجه الخاص, انتاجه من النفط الخام, بهدف حماية اسواقه و استثماراته, و بهدف حماية بقائه و مؤسسته على قيد الحياة في واقع الحال. و حسب كلماته التي اوردها كاتب سيرته عنه انه قال "لقد كان محاربا من الطراز القديم, الطراز القديم المسعور في بحثه عن النفط."
الادغال
عام 1895, و من خلال جهود مهندس تنقيب هولندي مسن قضى جل شبابه في ادغال الهند الشرقية, كان صامويل قادرا على الحصول على حقوق امتياز في منطقة اقليم كوتي شرق بورنيو الاندونيسية. و قد امتدت اعمال ذلك الامتياز لما يزيد عن 50 ميلا على الشاطئ وصولا الى عمق العمق حتى الادغال. لقد كانت تلك تمثل الوجهة المهجورة التي ابتعث اليها مارك ابراهامز كي يكون الرجل صاحب القرار في الموقع. لم يكن ابراهامز يتمتع بأي خبرة سابقة في مجال التنقيب و تكرير النفط, و انما اشرف سابقا على اعمال انشاء مستودعات الخزن في الشرق الاقصى, الامر الذي يعني ان لا تجربة لديه كي يستند اليها في مشروعه المعقد و الصعب الذي طلب اليه ان يباشره.
بدا عدم صلة مارك ابراهامز بالخبرات المطلوبة لانجاز العمل, بدا منعكسا على نطاق اكبر في قضية ماركوس صامويل نفسه. لقد عكست طريقة مارك ابراهامز في العمل كراهيته للمنظمة و التحليل العلمي و التخطيط, فضلا عن الافتقار للحس الاداري و كفاءة الاداء, انما جعلت من العمل في ادغال بورنيو امرا اصعب بكثير مما يفترض ان يكون عليه. لطالما وصلت السفن في اوقات خاطئة لتحمل على متنها معدات خاطئة, و حتى من دون وثائق شحن مع الحمولات. و كانت الحمولات ترمى على الساحل, الامر الذي يجبر العمال على وقف كل العمل بغية السعي لجمع و تنظيم المعدات بهدف ادراك ما هية تلك المعدات, كي تنتهي كل المعدات الى الصدأ و الاهمال ما بين الاحراش الطويلة.
و حتى من دون الادارة العشوائية و المفككة من قبل لندن, فأن العمل كان مقدرا له ان يكون شديد الصعوبة. لقد كانت بورنيو اكثر من معزولة عن العالم الخارجي و حتى اكثر من جزيرة سومطرة نفسها, حيث ان اقرب مستودع لتجهيز تلك المنطقة بالمعدات انما كان من سنغافورة التي تبعد قرابة الف ميل. اما الاتصال الوحيد مع سنغافورة, فكان من خلال السفن المفردة التي قد تمر بالموقع مرة كل اسبوع او اسبوعين و حسب. اما القوة العاملة في الموقع و التي كانت معزولة عن بعضها البعض داخل اجزاء منطقة الامتياز, فقد كانت في حالة حرب مستمرة مع الادغال و الاحراش. 
كان على العاملين قطع طريق يبلغ 4 اميال بمشقة بالغة عبر الادغال بهدف الوصول الى بقعة نفط تسمى البقعة السوداء, حيث توجد الآبار التي تنبع بالنفط, تلك الاميال الاربعة التي زادت طولا بمرور الاسابيع. و كان على المشروع ان يعتمد على العمالة غير الماهرة المستقدمة من الصين, في مقابل مجهزي العمالة المحليين الذين ابدو عدم رغبة بالعمل المستمر. و قد ضربت الحمى و الاوبئة معظم العاملين في المواقع. و حينما كان ابراهامز يجلس لكتابة تقاريره للشركة الام في لندن ليلا, عادة ما كان يكتب تحت تاثير الحمى الشديدة. شيئا فشيا, باتت وتيرة الوفيات عالية بين العاملين من عمال صينيين و مدراء اوربيين فضلا عن اختصاصيي الحفر الكنديين. و قد مات بعض هؤلاء و هم على متن السفن حتى قبل وصولهم وجهتهم في بورنيو. كما ان كل قطعة خشب حاولوا من خلالها بناء اي شيء سواء كان بيتا او جسرا او دعامة, انما تعفنت بسرعة. و لم يكن للعاملين من رفيق دائم سوى المطر الاستوائي المدمر ببخاره الحار و القوي.
و مرة اخرى, تجددت الخلافات العاصفة و المتفجرة و المسيئة لتطفوا على سطح العلاقة بين افراد عائلة صامويل في الشركة الام و بين ابراهامز التي تبادلها الجانبان اثناء انشاء مستودعات الخزن في الشرق الاقصى. و لسوء حظ مارك ابراهامز, فأن كل عمله الصعب في ضروف شديدة التعقيد و السوء انما لم يكن كافيا في نظر اعمامه في لندن. ان اعمام ابراهامز ما كان بمقدورهم فهم طبيعة و حقيقة الادغال التي ارسلوا ابن شقيقهم للعمل فيها. فعندما تذمر ماركوس صامويل من ان البيوت التي بنيت للاوربيين كانت اشبه بقصور فارهة و مترفة و اشبه بمنتجعات المتعه, رد ابراهامز بغضب قائلا "ان القصور التي تتحدثون عنها لم تكن الا عبارة عن بديل مؤقت يكفي اي هواء عاصف او وابل مطر لقلع سقفه بالكامل. اما المنازل التي سكنا فيها عند وصولنا, فلم تكن تتلائم الا و تربية الخنازير و حسب