يوميات شيخ هرم... تذكروا امواتكم !

Publié par BLADCOM

         







 الدعاء للأموات أغانيهم المفضلة، غنوا لأمواتكم، أصبحنا ندفن أمواتنا وذكرياتنا معهم في القبر ذاته، وغابت ثقافة الدعاء لهم إلا على منابر خطب الجمعة، أو خطب تقسيم ورث معظمه يتم وفق وصاية محكمة، أما بقية الوقت فللنسيان في مجمله كل الأموات.
يرعبني تخيل أن ينساني أحبابي وحيداً في قبري، لا أسمع سلاماً أو كلاماً عن أعوام عشتها في خدمة مصالحهم اليومية، معظم عمري ذهب لهم، وربما امتد بي العمر أطول لو عشت لذاتي كل حياتي، ليس لأنني لا أؤمن بأن «أجلاً مسمى» مكتوب مسبقاً، بل أقصد المفقود من العمر، المأخوذ مني لهم.
ترعبني فكرة الموت وحيداً، يرعبني أكثرَ الاستيقاظُ في قبر، وحيداً لا أحد يعزّيني في كل ما فقدته، فبوفاتي فقدت أسرتي وأصدقائي عزيزاً واحداً، فتُنصب خيمة عزاء له أياماً فقط، ثم خيمة النسيان إلى الأبد، لديهم حياتهم، وأسباب لمواساتهم، فكيف بي وأنا فاقد لهم جميعاً، لا خيمة تنصب، ولا عزاء فيمن أحب، فالقبور موصدة فلا خارج منها ولا داخل، حتى الصوت لا يعبّر من ثقوب، أو يجوب مسامع جيران لا أسمعهم.
تكاثرت أسباب الموت، تدنت أسباب الحياة، منهكون حد التصاق البصر بالأرض، لم تعد السماء في عيوننا صورة أو منهجاً، يموت أكثرنا وهو يركض مع الحياة وكأنه يعيش أبداً، بات موت الفجأة سيد الطرقات، حرائق المنازل، و«الجوال الذي تتصل به مُغلق»، قد يكون صوت أحد إشاراته (مات)، لم نعد نثق بفُرص الحياة كثقتنا بيقين الموت.
تخلو حياتنا اليومية أو الأسبوعية كذلك الشهرية والسنوية من وجود «تطوع أو احتراف» يكشف لنا أسلوب الدعاء للأموات، بقدر قيامهم ببيع الأكفان عند أبواب المساجد، و (إنك ميت وإنهم ميتون)، بينما كل أدوات التواصل الاجتماعي، الطب النفسي، المناهج، والدورات التدريبية لا تجتهد في مساعدتنا على تحقيق حال رضا عن علاقتنا مع أمواتنا، يوجد اضطراب وعتاب داخلي يتمحور حول عقدة ذنب حيال عجزنا عن وجود لغة مشتركة بيننا وبينهم.
يربكنا، ولا نفهم معناها، رؤيتهم في المنام، قفزهم - فجأة أمامنا- صورهم، ملامحهم، رائحة أجسادهم، أو ملابسهم، فبعد 15 عاماً لا يزال «صالح» والدي قادراً على الوجود، وكأنني ليلة البارحة كنت أجاوره في أحاديث مساء، أو لعبة «بلوت» كانت تجمعنا.
توحي متابعة تلفزة مسيحية أن ثقافة التعايش مع الموت وما بعده، عند الأحياء فيها حياة، حال عالية من السلم والسلام الذاتي، يحتفظون بصورهم، يتحدثون لهم، ويعتذرون لهم عندما يخالفون وصاياهم، يزورون مقابرهم كلما افتقدوهم أكثر «هنا نقف، عند المقابر، لقد حاربت كثيراً حتى لا تنهشني كلاب الدنيا، لكن لن أستطيع حماية رفاتي من كلاب المقابر، فأسوارها مثقوبة إذا كانت موجودة»، مرمية في أطراف من مدن أو قرى، بعناية أقل من مرمى النفايات.
كان أجداد الشعر يبدأون معظم أجود شعرهم بإيماءات لقبر معشوقات، آباء، فرسان، أبناء، أجداد أو إخوان، يحددون مكانه جغرافياً، يتمنون له مطراً خفيفاً، حتى على أمواتهم يخشون من قسوة الماء، ويتمنون للقبر عشباً، برداً وسلاماً، أما الآن فمعظمنا يجهل مكان المقبرة من دون معرفة مكان القبر داخلها، بينما الانكسار الأكبر موجود في قلوب النساء المحجوب عنهن زيارة قبور من عاشوا معظم حياتهم لهن، «تربية، رعاية، أو عشق»، على رغم أن رؤية الأجداف وتحسسها يغسل حزن القلوب المكلومة.